تخطى إلى المحتوى

رئيس وزراء سوريا: السيد نصوحي البخاري

ديسمبر 26, 2013

هذه مقالة بقلم الكاتب ياسر مرزوق من صحيفة “سوريتنا” يتكلم فيها عن رئيس الوزراء السوري السابق نصوحي البخاري و الذي تقلد عدة مناصب مختلفة منها وزارة التعليم و الدفاع و الداخلية، أترككم مع المقالة.

ولد السيد نصوحي البخاري في دمشق عام 1881، والده العلامة ” سليم البخاري ” والذي كان رئيساً للعلماء المسلمين في دمشق، عن جريدة “العهد الجديد” البيروتية وعن عددها الصادر بتاريخ 25 تشرين أول سنة 1928 ننقل: ” طويت صباح أمس صفحة ماجدة وضَّاءة من صفحات العلم والوطنية والإخلاص بوفاة سماحة العلامة الجليل الشيخ سليم أفندي البخاري والد الشهيد البطل المرحوم جلال الدين البخاري وصاحب المعالي الوطني الكريم نصوحي بك البخاري وزير الزراعة والتجارة ووزير المعارف سابقًا والشيخ سليم أفندي البخاري علامة جليل من كبار علماء المسلمين، له ولعه الشديد بجمع آثار السلف الصالح واقتفاء أثر المخطوطات النادرة، والحرص عليها حرص البخيل على درهمه، كما أنه كان مثال النزاهة والعفة وطهارة اليد والذيل وصورة الأخلاق الفاضلة الكريمة، وهو أحد أركان النهضتين الوطنية والعلمية “، شقيقه ” جلال الدين البخاري “ولناهنا أن ننقل عن مذكرات السيد “يوسف الحكيم ” الجزء الأول صفحة /332/ ” نصوحي البخاري هو شقيق جلال البخاري الذي حوكم في عاليه وأُعدم في بيروت يوم 6/5/1916 مع الشهداء الوطنيين المطالبين باستقلال سورية. وابن العلامة سليم البخاري رئيس علماء دمشق الذي حوكم أمام الديوان العرفي العثماني في عاليه ونُفي إلى بروسية. وكان عضواً مؤسساً للجمعية الخيرية بدمشق، وهي جمعية إسلامية خيرية مارست العمل السياسي، أسسها الشيخ طاهر الجزائري في أواخر القرن التاسع عشر، ودعت لإعادة العمل بالدستور العثماني الذي كان معطلاً آنذاك، وجعل الحكم في الدولة العثمانية والبلاد العربية حكماً يعتمد على الشورى “.

تلقى البخاري علومه في المدرسة الاعدادية العسكرية في دمشق، ثم انتقل إلى المدرسة الحربية في اسطنبول ثم مدرسة أركان الحرب العثمانية والتي تخرج منها برتبة “رئيس”، وشارك كقائد عسكري في حرب البلقان، وفي الحرب العالمية الأولى وأسر خلالها وأرسل إلى سيبيريا حيث بقي هناك لمدة تسعة أشهر وتمكن من الهرب والعودة إلى الدولة العثمانية في مطلع عام 1916، وشارك برتبة عقيد في حرب القفقاس، وحرب غزة، وتولى قيادة الفرقة السابعة حتى تم انسحاب القوات العثمانية من سورية. وتولى في عهد الملك فيصل الأول قيادة فيلق حلب برتبة زعيم، وتولى رئاسة ديوان الشورى الحربي الثاني، وعين معتمداً لحكومة الملك فيصل الأول لدى مصر في أوائل عام 1920، ومن ثم مديراً عاماً للشؤون الحربية في أواخر العام نفسه في حكومة ” حقي العظم ” واستمر في هذا المنصب حتّى عام 1921، في العام 1922 عين مديراً للمعارف في حكومة دمشق، ووزيراً للمعارف في حكومة ” الداماد أحمد نامي ” الثانية عام 1926، ثم وزيراً للزراعة والتجارة في نفس الحكومة.

عام  1919 تزوج البخاري فتاة من الأسر الدمشقية العريقة وهي “رفيقة بنت ممدوح بك العظم” والتي أضحت رائدةً من رواد حركة “تحرير المرأة” التي نمت بشدة في سوريا، وأصبحت أكثر جرأة على المواجهة، خاصةً بعد أن تولت قيادتها في دمشق السيدة رفيقة زوجة السيد نصوحي البخاري، بمشاركة زوجات عدد من السياسيين والبرلمانيين الآخرين متخذات من “جمعية نقطة الحليب” واجهة جذابة لحركتهن.

عام 1939 تم تكليفه من قبل الرئيس الأتاسي بتشكيل الحكومة، وقد أتى هذا التكليف على أثر مماطلة فرنسا في تنفيذ بنود معاهدة 1936، ويقين الرئيس الأتاسي بحاجته لرئيس وزارة حيادي من خارج صفوف الكتلة الوطنية وقد تعرض هاشم الأتاسي للضغط، بعد تكليف نصوح البخاري بتشكيل الوزارة من قبل بعض أصدقائه إذ طالب وفد من نواب الكتلة الوطنية هاشم الأتاسي بالالتزام بقرارات الكتلة الوطنية والاستمرار بالتصعيد ضد الفرنسيين. ولكن الأتاسـي أصدر مرسوماً بتشكيل وزارة البخاري في 8 نيسان 1939 أي بعد 20 يوماً من استقالة حكومة لطفي الحفار، كان معظم وزرائها من المستقلَّين، ولم تكن وزارة ذات طابع حزبي، ومع ذلك لم تستطع حلَّ الأزمة بل استمرت الأزمة السياسية في سورية، وقد انتقد عبد الرحمن الكيالي الوزارة الجديدة في كلمته في المجلس النيابي يوم 21 نيسان 1939، وانتقد بشدة أيضاً موقف الأتاسي وقال: “كان القصر، على ما نعلم معقل الوطنية، وكانت سلطته تمثل الخير والغيرة والاحترام والآن ويا للأسف غدا معقل الرجعية، تمرح فيه ذئاب الاستعمار.. “ونتيجة لهذه الانتقادات الشديدة التي تعرَّض لها الأتاسي ورئيس وزرائه من قبل المعارضين داخل المجلس النيابي وخارجه ولا سيما بعد تهرب الوزارة من إلقاء بيانها وعدم حصول رئيس الوزراء على وعد من الفرنسيين بالتصديق على المعاهدة أصدر هاشم الأتاسي قراراً، في 19 نيسان 1939، بتأجيل اجتماع المجلس النيابي لمدة شهر، اعتباراً من 20 نيسان الى 20 أيار 1939 وبالتالي تأجيل عرض البيان الوزاري.

في 12 أيار من العام نفسه أصدر المفوض السامي بياناً قصيراً أُذيع من دار الإذاعة حدد فيه أسس السياسة الجديدة التي سيسير عليها، وتقوم على إدخال بعض التعديلات على مسودة معاهدة عام 1936، التي ستبرم بعد الدخول في مفاوضات بين الجانبين لعقد معاهدة جديدة، واجتمع مع الأتاسي وجرت بينهما مشاورات، تمسَّكَ الأتاسي فيها بالقواعد التي نصت عليها معاهدة عام 1936، ولكنَّ المفوض السامي كان يماطل، متعللاً بالحالة الدولية التي تنذر بحدوث حرب في أوربا ولذلك فأن فرنسا لا تستطيع إلا أن تأخذ ذلك بعين الاعتبار، وتضع الخطط على أساسها، ولهذا فإنّها لا تستطيع التقيد بالكثير من شروط المعاهدة. وانتهى الاجتماع دون التوصل الى الاتفاق بين الجانبين، بالتوازي استمرت فرنسا في تشجيع النعرات الانفصالية في سورية،ولاسيَّما في جبل الدروز الذي عاد سكانه الى رفع علمهم الخاص، فاجتمع رئيس الوزراء السوري مع المفوض السامي للتباحث معه بشأن السياسة الفرنسية، ولم يتوصل الى نتيجة بسبب إصرار الحكومة السورية على رفض تصريح” بيو” الجديد الذي يدعو إلى عقد معاهدة جديدة لمواصلة التعاون بين الطرفين أو أن تستقيل الوزارة،   ونتيجةً لتفاقم الحالة، قدم نصوحي البخاري استقالته في 15 أيار 1939 إلى رئيس الجمهورية، بسبب إصرار الفرنسيين على إعادة الحكم الذاتي إلى منطقتي العلويين والدروز، وذلك قبل أن تقدم الوزارة منهاجها إلى المجلس النيابي السوري. وقد طلب هاشم الأتاسي من الوزارة المستقيلة أن تستمر في عملها وكالة حتى تُؤَلَّفَ وزارة جديدة. وعمد الرئيس الأتاسي إلى التشاور مع “عطا الأيوبي ” لتشكيل الحكومة،وكان لحوادث الجزيرة واللاذقية دورٌ كبيرٌ في فشل عطا الأيوبي في تشكيل الوزارة، حيث هاجم فريق من الانفصاليين دوائر الدولة، وأنزلوا الأعلام السورية عنها، ورفعوا الأعلام الخاصة بالجزيرة، وطردوا الموظفين الحكوميين من المنطقة. ونتيجة لتعقد الحالة السياسية، ومماطلة الفرنسيين وفشل هاشم الأتاسي في تأليف وزارة جديدة أخذ يفكر في تقديم استقالته من رئاسة الجمهورية، تعبيراً عن غضبه على موقف الفرنسيين، وبدأت الأحاديث تظهر من جديد عن قيام النظام الملكي في سورية بعد فشل النظام البرلماني الجمهوري، وعندما سئل رئيس الوزراء المستقيل عن رأيه في استقالة هاشم الأتاسي المحتملة قال: ” أنا اعتقد أَنَّ الحالة الحاضرة على خطورتها لا توجب على رئيس الجمهورية الاستقالة من منصبه مهما كانت الظروف، فالاستشارات في سبيل تشكيل وزارة جديدة مستمرة بين الرئيس وساسة البلاد.. وأما ما يتعلق باستقالة رئيس الجمهورية، ومعناها نسف الدور الوطني الدستوري الحالي برمته، فهو ليس من المصلحة الوطنية في شيء”.

عام 1943 فاز البخاري في الانتخابات النيابية عن دمشق وفي 19 آب من العام نفسه تم تعيينه وزيراً للمعارف والدفاع الوطني في حكومة “سعد الله الجابري”، وعلى الرغم من خلفيته العسكرية إلا أن البخاري كان فاعلاً في الحراك العلمي والثقافي في دمشق،وداعماً للحركة النسوية التي تزعمتها زوجته، فقد كان داعماً للنشاط الاجتماعي والثقافي للرابطة العربية وغيرها من الجمعيات والمنتديات التي كانت دمشق تذخر بها، وفي صيف عام 1944 شارك في المهرجان الألفي للفيلسوف العربي أبي العلاء المعري بصفته وزيراً للمعارف، بحضور رئيس الجمهورية ومشاركة: طه حسين، محمد كرد علي، مهدي الجواهري، بدوي الجبل….. ‏وقد افتتح البخاري المهرجان بكلمةٍ بليغة كان مطلعها “ولو أني جبتُ الخُلد فرداً لما أجبت بالخلد انفراداً ‏ فلا هطلت عليّ ولا بأرضي سحائب ليس تنتظم البلاد ‏”.

مع اتساع النشاط الحزبي في الحياة السياسية في سوريا بعد الاستقلال وتراجع دور المستقلين، اعتزل دولة الرئيس البخاري السياسة، وتوفي في دمشق عام 1961 ودفن في مقبرة العائلة.

Image

No comments yet

أضف تعليق