دور الطعام في العادات الأوزبكية
ديسمبر 27, 2011
هذا المقال مترجم من مقال للباحثة “ج. ش. ذوالنونوفا” من معهد التاريخ في أكاديمية العلوم بجمهورية أوزبكستان، و من نشر معهد الثقافة و التنمية الآسيوي.
ارتبطت بعض الأطعمة في حياة الشعب الأوزبكي ببعض المناسبات الإجتماعية كالزواج و العزاء و الحمل و ما إلى ذلك، أو في بعض التواريخ المعتبرة خلال السنة كالأعياد و المناسبات الدورية. و تتراح عادات الطعام ما بين طبق معين إلى عدة أطباق تعد مرغوبة، أو في حالات حتمية لهذه المناسبة. و ارتبطت طريقة طبخها و أكلها ببعض المسلمات الإجتماعية. و تختلف هذه المسلمات بحسب الأطباق المقدمة، و يتم اتباع العادات حرفياً بالرغم من اختلافها في حدود شخصيات الحضور، أو قوة العلاقة بينهم، و نوع المناسبة.
و بعض العادات المرتبطة بالطعام لها جذور قديمة ربما يرجع بعضها للديانة الزرادشتية، و بالرغم من أن الإسلام لا يتفق كثيراً مع الزرادشتية، إلا أن بعض العادات تأصلت في المجتمع حتى باتت جزءاً منه، و لربما فسرها البعض بارتباطها بالدين الإسلامي بالرغم من أنها ليست منه. و طبخ الطعام و تبادله بين أفراد المجتمع يحدد الكثير من العلاقات المتبادلة سواءاً كانت دينية أم مهنية أو حتى في طبقات العمر.
و يعد طعام العرس من أهم و أعقد العادات في الحياة الاجتماعية، و له رمزية خاصة. ففي طاشكند يقدم الرز البخاري للعريس في طبق يسمى “لقن” و يتذوقه العريس، و يترك الطبق للعروس و صديقاتها ليأكلنه. و يبارك العريس الطبق الثاني لأصدقائه العزاب، و بذلك يكون قد أعطاه طاقة سحرية تجلب السعادة لأصدقائه و أصدقاء عروسه الغير متزوجين.
و في وادي فرغانة تقوم الخاطبات بسرقة أكواب أو أي نوع من أغراض المطبخ،و لا يعتبر ذلك شيئاً سيئاً، لأن أخذ الخاطبة لشيء من ذلك البيت يعني أنها تود بشيء من بركة و سعادة ذلك البيت. و ربما يرجع جذور هذا الاعتقاد إلى الاعتقاد بأن الطعام أو بعض أغراض المنزل من الممكن أن يؤثر على أحوال الناس.
و في أثناء أداء عادة “سلام” يقوم الطاشكنديون بغمس يد العروس في الزيت أو الدقيق، و ذلك تفاؤلاً بجعل يد العروس “ياغلي” و “أونلي” أو بمعنى آخر هو تفاؤل و تمني الغنى و السعادة للعروس. و هذه العادة الأوزبكية تنتشر أيضاً عند عدد من الشعوب الناطقة باللغة التركية، و في عادة أخرى يقوم بعض الأوزبك بها عند العرس، يقوم والدا العروس بوضع الدقيق على شفاههم إذا كانوا سعيدين بما قدمه أقارب العريس، و يقومون بوضع الرماد إذا كان الوضع غير ذلك.
و للخبز مكان خاص في العادات التي تسبق الزواج، فخلال “الفاتحة” يكون الخبز شعارا للترابط بين العائلتين، و رمزاً للموافقة بين الطرفين، و تقوم الخاطبات بكسر قطع مسطحة من الكعك و تقديمه للضيوف الجالسين على المائدة و تسمى هذه العادة “نان سانديريش” .
تساعد العادات على تخفيف بعض الضغط النفسي، و العادات المتعلقة بالطعام لا تحمل هذا المعنى في نفسها فحسب، و إنما يتواجد أيضاً في طريقة إعداد الطعام، و الأهم من ذلك أن التحضير و الاستهلاك لهذا الطعام مرتبطان أيضاً بالتواصل الاجتماعي و الحضور العائلي.
و من هذه الضغوط، الضغط النفسي عند فقد حبيب، و لذلك أيضاً عادات تتعلق بالأطعمة في العزاء، فمن غير المستحسن إيقاد النار في بيت الفقيد لتحضير الطعام في اليوم الأول من العزاء، و ربما يعود ذلك إلى بعض البقايا من الديانة الزرادشتية ، حيث يحرم فيها إيقاد النار بحضور الميت. و في بيت الفقيد لا يتم طبخ الطعام طيلة الأيام الثلاثة المخصصة للعزاء، و يتم توفير الطعام لأهل الميت من قبل الأقارب و الجيران. و في العزاء يعتبر “الهلويتر” و هو عبارة عن دقيق و سكر محمران على الزيت، من الأطباق التي يتوجب عليها الحضور، حيث يعتقد أن الهلويتر يساعد على التخفيف من خطايا الميت، و له قدسية خاصة، و يجب أن يقدم الهلويتر ساخناً. أما السيدة المكلفة بطبخ هذا الطبق فيجب عليها التزام الصمت و عدم التحدث مع أي أحد كان، لأنه، و حسب الاعتقاد الشعبي، أن “السؤال و الجواب” للميت في قبره يحدثان في تلك اللحظة.
و لا يأكل أحد قبل الدفن، أما بعده فيقدم الشاهي مع الهلويتر للمعزين، و يشرع في طبخ الرز البخاري “البلو”، و في منطقة “مندان قشلاق” في وادي فرغانة يطبخون الرز الأسود “قرا أوش”.
و طبخ الرز البخاري لمدة أربعين يوماً له معنىً خاص، فالاعتقاد الشعبي يقضي بأنه ما دام الرز يطبخ، فالميت يظل في راحة و عافية من عذاب القبر، و بعد أن يؤكل الرز، يتم غسل قطعة من النحاس من قبل سبع نسوة، و أقرب واحدة منهن للميت تقوم بصب ماء ذلك الغسل في النبع أو الجدول، حيث يعتقد أن جسد الميت ينتفخ خلال التسعة و الثلاثين يوماً، و صب ماء ذلك الغسل في الماء الجاري يريح جسد ذلك الميت، أما إن لم تصبه بحذر و إتقان، فسيتعرض الميت لمزيد من الآلام و المعاناة.
و من المناسبات العديدة التي يطبخ فيها الرز البخاري مناسبتي “قور يكدي” و “ليلاك كيلدي”. و للرز قداسة عظيمة، و إكرام للنعمة، فالبعض يعتبر حبة الأرز كسن شخص مقدس، و لذلك يعتبر رمي بقايا الرز من عظيم الإثم. و قد تعامل الأوزبك مع الطعام خصوصاً التقليدي منه باحترام كبير، و هو من أساسيات الحياة الاجتماعية في الأفراح و الأحزان. و هو طبق موغل في القدم، و هو طعام لكل الطبقات، الغنية منها و الفقيرة، و خاصة في المناسبات. و الدعوة لطبق من الأرز أصبح مرادفاً للضيافة و الكرم.
و يمكن تقسيم الطعام الذي يقدم في المناسبات إلى قسمين، الأول قسم لا يطبخ و لا يعرف إلا في مناسبات معينة، و يكون هذا الطعام متعلقاً بتلك المناسبة، و حضوره في تلك المناسبة حتمي لا مناص منه، و لذلك لا يمكن أن نجد هذه الأطباق في البيوت الأوزبكية في الأيام العادية، و من تلك الأطباق مثلاً الهلويتر و البغرسق. و النوع الآخر من الأطباق هو الطعام اليومي الذي يقدم و يطبخ في أي وقت، و لكن تصبح له مكانة خاصة و مزية في بعض المناسبات، و حضوره في بعض المناسبات مرحب به، و في بعضه الآخر لازم، و من هذه الأطباق الرز البخاري و القتلمة.
و في الحديث عن الطعام المقدم في المناسبات يلزم التحدث عن الأضاحي، فقد تجاوزت هذه العبادة الدينية كونها مرتبطة بمناسبة دينية إلى ارتباطها عند الأوزبك بعدة مناسبات اجتماعية. و يكون لهذه العادة غرضان هما طلب رضا الرب، و طلب دفع البلاء و الفقر عن الرجل و أهل بيته، و تعد الأضحية عن الشخص الميت في العائلة جزءاً أساسياً من تقاليد العوائل الأوزبكية، و قد يستغل البعض تلك العادة للبحث عن الجاه و التباهي أمام أهل “المحلة”.
و في طاشكند توجد عادة اسمها “خدايا” حيث، و تقام هذه المناسبة عند الإعداد للزواج، أو قبل الانتقال لمنزل جديد، حيث تقوم العائلات الغنية بذبح حصان، و من هم دون ذلك يذبحون جدياً، و من لا يستطيع ذلك يقدم “ديكاً” و عادة ما يكون لونه أسود. و تسمى هذه العادة “قان تشقاريش” ، و يجب أن يؤكل جميع اللحم من الحيوان أو الطائر المضحى به من غير أن يبقى شيء.
و للطعام أهمية خاصة في مناسبة المولد النبوي، فخلال المناسبة يتم إحضار خوان أو ما يسمى بالأوزبكية “دسترخان” و توضع عليه الفواكه و الشربيت الذي يوضع في إنائين مخصوصين لهذه المناسبة. و في نهاية المولد تشرب النسوة هذه الشراب تباعاً، و أثناء ذلك تقوم “أوتين أيي” أو السيدة التي لديها علم لا بأس به من الدين بقراءة شيء من القرآن، و تشكر الله و تحمده على هذه النعم. أما في منطقة مندان قشلاق في فرغانة فيقدم الأرز المغلي للحضور، إلى جانب الحليب المحلى، و الطعام الحلو و الحليب المحلى يرمز إلى أنهار و نعيم الجنة الذي يتمنونه لأمواتهم.
و من العادات القديمة عند الاعتناء بشخص مريض، طبخ “الشولة” و يتركونها عند الجدول “أرِق” لتأتي أرواح الأموات و تبارك هذا الطعام حتى تساعد في شفاء المريض، و لا تزال هذه العادة موجودة لدى كبار السن.
و كان أهل الحي في السابق يجتمعون أيام الخميس و الأحد لعادة اسمها “إس تشيقاريش”، يطبخون فيها الرز البخاري، و يعتبرون رائحة اللحم و هو يطبخ هدية لأرواح الآباء، الذين يزورون أبناءهم في هذه الأيام و من يكرم الأموات بطبخ هذا الطعام، و ذبح الشياة يحصل على بركة و حماية الأرواح له.
و استخدام الطعام للتواصل الروحي مع الأموات لا يقف عند هذا الحد، فالقمح كان يستخدم في مراسم العزاء في عادة اسمها “دورة” حيث يعطى الحانوتي اثنين و ثلاثين كيلو غراماً من القمح ليدور حول منزل المتوفى على حصان، حيث يعتقد أن في ذلك تخليصاً للميت من ذنوبه، و كانت هذه العادة موجودة حتى الثلاثينات من القرن الماضي. و استبدلت بعادة أخرى حيث يعلق كيس صغير من الأرز على شجرة مثمرة، حيث استبدل القمح بالأرز، و هذه العادة اختفت و لا توجد سوى في ذاكرة كبار السن.
و بذلك نرى مدى تغلغل الطعام و دوره في المناسبات و العادات الاجتماعية، و لها دوافع مختلفة كالتواصل مع الأموات، أو تعزيز الترابط بين أبناء المحلة، و كذلك مساعدة الفقراء و الأرامل، و كل ذلك يدور حول الطعام.
4 تعليقات
leave one →
ممبدع دائما أخي عبدالعزيز … دائما تأتي بعاداتنا التي اكاد ان انساها لأتذكرها من جديد
فمن غير المستحسن إيقاد النار في بيت الفقيد لتحضير الطعام في اليوم الأول من العزاء، و ربما يعود ذلك إلى بعض البقايا من الديانة الزرادشتية ، حيث يحرم فيها إيقاد النار بحضور الميت. و في بيت الفقيد لا يتم طبخ الطعام طيلة الأيام الثلاثة المخصصة للعزاء، و يتم توفير الطعام لأهل الميت من قبل الأقارب و الجيران.
هذه العادة من التقاليد الاسلامية ويوجد حديث شريف يهذا المعنى , والله أعلم
الا أنه لفتني ربط احترام ارواح الاجداد بالزرادشتية وهذا غير صحيح لأن الشامانية ديانة الترك القديمة هي التي تولي مسائل الأرواح واحترامها هذه الأهمية
ربما كان ربطها بالزرادشتية بسبب العادات التي تتعلق بالنار، و عموماً فإن منطقة أوزبكستان الحالية مرت عليها أديان كثيرة منها الزرادشتية و البوذية بالإضافة إلى الشامانية كما ذكرت.
الله يعطيك العافية والله شهيتني بالشولة